تحولت كلية طب عين شمس إلى معسكر تعذيب كبير مثل معتقل جوانتنامو أو سجن أبوغريب، وأصبح الطلبة هم أكثر زبائن عيادات الأمراض النفسية. وصلتنى رسائل كثيرة منهم فى فترة الامتحانات أجابت على أسئلة كثيرة كانت تحيرنى وعلى رأسها: لماذا الأطباء يخرج منهم زعماء الإرهاب؟! اخترت هذه الرسالة الصرخة لأحد طلاب الكلية أنشرها كما هى: «عشان تبقى الدروس تنفعكو»، هذا هو لسان حال أساتذة الجراحة بطب عين شمس. رداً على شكوى طلاب الصف السادس من أخطاء التصحيح وصعوبة امتحانات الجراحة لهذا العام والمشاكل التقنية فى امتحان الصور، وعندما تدارك رئيس القسم الموقف ورأى الصدمة فى عيون طلابه وشكواهم من عدم وضوح الصور، يدور مشكوراً على اللجان لإعادة الامتحان مرة أخرى وإعطاء وقت إضافى للجميع وبعد جمع أوراق الإجابة توزع مرة أخرى فى بعض اللجان ولا يصل الخبر للجان أخرى فتضيع المساواة بين الجميع، وما هذه الفوضى إلا اعتراف بوجود مشكلة حقيقية حدثت. وشكواهم من وجود أسئلة من خارج المقرر، والتى لا تهدف للتقييم، بل لإحباط وكسر الجميع، وبث روح اليأس والبؤس داخلهم. وجرّهم إلى معركة بين نظام جامعى عقيم، يعطى علماً لا يسمن ولا يغنى من جوع وبين طاحونة دروس مفلسة تعلّم الطلبة كيفية اختراق هذا النظام بأقل ضرر وأغلى ثمن. وبين هذا وذاك يضيع الطب فى عبثية وفوضى هذه الصراعات. وربما شكوى الطلاب ترف من امتحانات لم تأتِ بالنص من الكتب المحفوظة أو خارج ورق الدروس. فما ذنبهم أن لم يعلمهم أحد الدراسة العلمية الصحيحة والتفكير السليم وكيفية إجابة أسئلة لم يحفظوها؟! يشكو الأساتذة من اتجاه الطلاب إلى الدروس بدلاً من المحاضرات، مهما فعلوا من ترهيب من الغياب وبالدرجات، بدلاً من تقييم أنفسهم فى أساليب الشرح المنفرة، ونقص الوسائل الإيضاحية، والمناهج العقيمة التى تهدف للحفظ والكم لا الفهم، متأخرة بسنوات عن بقية العالم. ولك أن تتخيل مشهد طالب منفصل عن الحياة أمامه آلاف الأوراق التى يجب عليه حفظها لصبّها صباً فى امتحان، ثم يجلس منتظراً ليدخل لأستاذ يحدد مستقبله، بجرة قلم وترتعش قدماه لأنه يعلم مسبقاً أنه سيختبره فى خارج كل ما ذاكره لا لشىء سوى لتحطيمه أو لأنه لا يعلم حدود ما يدرس الطالب، أو يقع ضحية لابتزاز مريض محترف ليعطيه مالاً أكثر فى الامتحان ليملى عليه المريض حالته كاملة وإجابات أسئلة الأستاذ باللغة الإنجليزية والمصطلحات الطبية، فتضيع المساواة بين طالب وآخر يتم تقييمه على الأسس المطلوبة، أو بين كلية طب وأخرى. وترى طلاباً ينظمون جلسات علاج جماعى بين أنفسهم بعد فترة الامتحانات العصيبة.. فكيف بعد كل ذلك يخرج الطالب طبيباً ذا كفاءة أو حتى إنساناً سوياً! فلا عجب لهذا الكم من المرضى النفسيين والإرهابيين خريجى كلية الطب. ودليلاً على أن هذه الفوضى تدركها الإدارة جيداً، تم ابتداع نظام مميز سيطبق على الدفعة الجديدة، على عدد مائة طالب، بمناهج مختلفة مميزة وأفضل الأساتذة ونظام ساعات معتمدة، ولكن هذه الجودة بثمنها، أربعون ألف جنيه هى سعر التحاق الفرد بهذا البرنامج مقابل هذا التعليم والخدمة المميزة. فهل سيأتى يوم يبحث فيه المريض عن خريج نظام متميز بدلاً من العادى؟ وهل سيزاحم خريج التميز خريج النظام العادى ويسبقه فى فرص العمل، وإن كان هناك أنظمة إصلاح للمناهج يمكن تطبيقها، فلماذا لا تطبق على الجميع؟ ففى النهاية التعليم الطبى فى مصر مهزلة بكافة المقاييس، وطاحونة لا يخرج منها طبيب ذو كفاءة قادر على مساعدة المرضى أو حتى إنسان سوى يشعر بألم المريض.